16 أغسطس 2009

دار نشر جامعية تمنع نشر الرسوم المسيئة في كتاب جديد

دار نشر جامعة ييل تمنع نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد (ص) في كتاب جديد



(المصدر: النيويورك تايمز، 12 أغسطس 2009)

لا غرابة في أن تتحفظ دار نشر جامعة ييل على إعادة طباعة صور النبي محمد الكارتونية المثيرة للجدل في كتابٍ يصدر قريبًا، فعندما نُشر الاثنا عشر كاريكاتيرًا لأول مرة في صحيفة دنماركية قبل عدة سنوات، وأعادت صحف أوروبية أخرى نشرها، احتجّ المسلمون في كل مكان ووصفوا تلك الصور-والتي احتوت إحداها على صورة للنبي محمد مرتديًا عمامة على شكل قنبلة- بالكافرة. في الشرق الأوسط وأفريقيا تظاهر البعض، وأحرقوا السفارات وهاجموها، في حين طالب آخرون بمقاطعة البضائع الدنماركية، وسحبت بعض الدول سفرائها من الدنمارك. وفي نهاية الأمر قُتل ما لا يقل عن مائتي شخص.

وهكذا استشارت جامعة ييل ودار النشر التابعة لها 24 شخصًا مسؤولا بما فيهم الدبلوماسيين والخبراء في الشؤون الإسلامية ومكافحة الإرهاب، وجاء الرد بالإجماع أن كتاب "الصور الكارتونية التي هزّت العالم The Cartoons That Shook the World" يجب ألا يحتوي على الرسومات الدنماركية المذكورة، والتي نُشرت في سبتمبر 2005. وعلاوة على هذا فقد أوصوا بأن تتحفظ دار نشر ييل على نشر أية رسومات أخرى للنبي محمد، وخاصة رسمة مصممة لكتاب أطفال، ورسمة عثمانية، ومخطط رسومي للنبي محمد وهو يُعذب في الجحيم رسمها غوستاف دوري، باقتباس من الكوميديا الإلهية لدانتي، كما اقتبسه بليك ودالي ورودين وبوتيشيلي.
وعلى مضض قبلت مؤلفة الكتاب (جيت كلوزن Jytte Klausen) أستاذة السياسة في جامعة برانديس، والدنماركية المولد، هذا القرار بعدم نشر الرسوم الكرتونية. بيد أنها تضايقت من منع نشر الصور الأخرى للنبي محمد، فقالت في مكالمة هاتفية إن جميع تلك الصور منتشرة، وأضافت أن "أصدقاء وقادة ونشطاء مسلمين رأوا بأن تلك الحادثة أسيء فهمها، ولذا يجب إعادة نشرها كي نناقشها". هذا وسيصدر الكتاب في نوفمبر القادم.

وقال (جون دوناتش) مدير دار نشر جامعة ييل أن القرار كان صعبًا، ولكن التوصية التي جاءت بعدم نشر تلك الصور بما فيها الصور التاريخية للنبي محمد كانت "جازمة وموحّدة". يقول دوناتش إن تلك الرسوم الكارتونية موجودة على الإنترنت ويمكن وصفها وصفا دقيقا بالكلمات، لذا ستُفسر عملية نشرها على أنها تصرف لا داعي له.
ونوّه دوناتش إلى أنه كان قد وافق على نشر كتب خلافية أخرى-مثل كتاب "الملك لا يبتسم أبدًا The King Never Smiles" لمؤلفه بول هاندلي، وهو عبارة سيرة غير مُقرّة لحياة ملك تايلاند الحالي- دون أدنى تردد، "ولكن عندما يتعلق الأمر بالنشر في مقابل تلطيخ يدي بدماء أبرياء، فالمسألة محسومة".
من ناحية أخرى كان (رضا أصلان) الباحث الديني ومؤلف "لا إله إلا الإله: أصول الإسلام وتطوره ومستقبله No god but God: The Origins, Evolution, and Future of Islam"" معجبا جدًا بالكتاب، إلا أنه سحب كلمته المادحة على غلاف الكتاب بعد قرار دار النشر بمنع نشر الصور. يقول إن الكتاب "تسجيل وافٍ للجدل المثار كله، ولكن عدم نشر الرسوم الكارتونية يبدو لي بصراحة عملا أحمق".

ومن وجهة نظر رضا أصلان أنه لم تبق هناك مخاطر. "لقد ماتت تلك الضجة الآن، وأي شخص يريد رؤية تلك الصور يمكنه ذلك"، موضحا أنه قد كتب عن حادثة الرسوم الكارتونية وحاضر فيها مرارا وقام بعرض الرسوم دون أي رد فعل سلبي. وأضاف أنه لم تحدث أية أعمال عنف في أمريكا: "كان هناك أشخاص تضايقوا من الأمر، ولكن أي دار نشر تلك التي لا تنشر شيئا يضايق بعض الناس؟".
وأضاف: "إنه كتاب أكاديمي موجّه لقراء أكاديميين، تنشره دار نشر أكاديمية. لا يُمكن أن يكون للكتاب حتى جمهور عالمي عام، فما بالك باحتجاج عالمي؟ هذا ليس مجرد جبن أكاديمي، بل سخف ولا داعي له".
أما دوناتش فقال إن تلك الصور ما زالت تثير حفيظة الناس، فالعام الماضي قبضت الشرطة الدنماركية على ثلاثة رجال اشتبهت في أنهم حاولوا قتل الفنان الذي رسم الكاريكاتير الذي يبيّن النبي محمد معتمرًا عمامة على شكل قنبلة. وينقل دوناتش عن أحد الخبراء الذين استشارتهم دار النشر، وهو إبراهيم جمباري المستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة ووزير خارجية نيجيريا السابق: "بإمكانك توقع أعمال عنف إن نُشرت صور للنبي. أتوقع أنها ستسبب مظاهرات واحتجاجات من إندونيسيا إلى نيجيريا".

وبعيدًا عن الاختلاف حول هذه الرسومات، قالت المؤلفة بأنها تضايقت من إصرار دار النشر على أنه يمكنها قراءة ملخص توصيات المستشارين-المكوّن من 14 صفحة- بشرط أن توقع على تعهد بعدم التحدث عن تلك التوصيات علنا. وقال بعد رفضها التوقيع: "أعتبر هذا الأمر تكميما للأفواه". وفيما تفهمت المؤلفة رغبة بعض المستشارين في أن تظل هوياتهم غير معروفة، لم تقتنع بمنعها من التحدث عن توصياتهم.

وقالت ليندا كوش لوريمر نائبة رئيس جامعة ييل، والتي ناقشت الملخص مع المؤلفة بأنها كانت تلبي رغبة المستشارين، والذي وافق بعضهم على نشر هويته.
وقالت المؤلفة (جيت كلوزن) وهي أيضا صاحبة كتاب "التحدي الإسلامي: السياسة والدين في أوروبا الغربية The Islamic Challenge: Politics and Religion in Western Europe" بأن الاحتجاجات التي نتجت عن تلك الرسوم لم تكن عفوية، بل مظاهرات منظمة رتبها متطرفون في الدنمارك ومصر كانوا يحاولون التأثير على الانتخابات هناك، وآخرون كانوا يأملون في زلزلة الحكومات في باكستان ولبنان وليبيا ونيجيريا. وتقول بأن الرسوم الكارتونية لم تكن إلا ذريعة لتحريك المعارضة في العالم الإسلامي.
وعلى الرغم من أن الكثير من المسلمين يؤمنون بأن القرآن يحرّم رسم صور للنبي، إلا أن النبي محمد قد تم رسمه عبر القرون في الفن الإسلامي والغربي دون إثارة بلبلات.
هذا وقد طلبت المؤلفة بتضمين رسالة في الكتاب تقول فيها "إنني وافقت على قرار دار النشر بعدم نشر الرسوم الكارتونية والصور الأخرى المثيرة للجدل التي تصوّر نبي الإسلام، بحزنٍ شديد. ولكنني لم أقصد من الكتاب أن يكون عرضًا آخر يناصر أو يعارض تلك الرسوم، وكلي أمل في أن يؤدي الكتاب الغرض منه دون تلك الرسوم ".
جدير بالذكر أن ناشرين آخرين بما فيهم النيويورك تايمز اختاروا عدم نشر الرسوم الكارتونية عندما نشأت المشكلة عالميا في فبراير 2006.
وتقول المؤلفة: "أتفهم أن تتجنب الجامعة أية مخاطر، وأن تقرر الأخذ بخيار عدم نشر الرسوم" ولكن دار نشر جامعة ييل تجاوزت الحدود المعقولة بمنعها نشر الصور الأخرى للنبي محمد...إن رسالة الكتاب هي أننا بحاجة إلى أن نهدأ وننظر إلى الأمر بروية".
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.