21 ديسمبر 2009

قراءات: كتاب "الديمقراطية وحقوق الإنسان" لمحمد عابد الجابري

قراءات: كتاب "الديمقراطية وحقوق الإنسان" لـ(محمد عابد الجابري)

بعد طول غياب عن القراءات الحرة وجدتُ متسعًا من الوقت هذه الأيام لأقرأ ما أشتهي. قلّبتُ في مكتبتي بحثا عن كتاب يستحق الاحتفاء بهذه العودة، فوقع اختياري على كتاب "الديمقراطية وحقوق الإنسان" للباحث والمفكر العربي الكبير (محمد عابد الجابري). الكتاب صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 1994 ثم صدرت منه طبعتان لاحقتان الأخيرة كانت عام 2004، وهو مطبوع بالحجم الصغير (حجم الجيب)، ضمن سلسلة الثقافة القومية، في 265 صفحة.

هناك كتّاب عندما أقرأ لهم أشعر وكأن القراءة لغيرهم مضيعة وقت، وهذا غير صحيح بالطبع، ولكنها مبالغة أردت بها إظهار تقديري وإعجابي بما يكتبه هؤلاء الكتاب، من مثل الجابري وعبدالوهاب المسيري. والقاسم المشترك بين هؤلاء الكتاب هو أنني بعد قراءة كتاب لأي منهم أقرر في نفسي أن أقتني كل ما كتبوا.

يقسم الجابري هذا الكتاب إلى أربعة أقسام، يتحدث في الأول منه عن الديمقراطية والمطالبة بها في السياق العربي مقارنة بمعنى الديمقراطية وتطورها في الفكر الغربي. وفي القسم الثاني يناقش الجابري قضية الانتقال إلى الديمقراطية، والشكوك المثارة حولها عربيا، ولماذا نحتاج إلى الديمقراطية، وهل وضعنا العربي الراهن يسمح بها ام لا. وفي ظل الأصوات المشككة بإمكانية تطبيق الديمقراطية في الوطن العربي والمتعللة بالخصوصية الثقافية التي تختلف عن السياق الغربي، يخصص الجابري القسم الثالث لتأصيل مفهوم الديمقراطية عربيا وإسلاميا، ويبين كيف أن عالمية حقوق الإنسان لا تتعارض مع خصوصية الأديان والثقافات، ويبحث في القضايا الإسلامية التي ينطلق منها المشككون مثل حقوق المرأة وقتل المرتد وعدم إلزامية الشورى. أما القسم الأخير فيتحدث فيه الجابري عن مفهوم الإنسان في الفكر الإسلامي والوعي بحقوقه، من أجل تأصيل هذا المفهوم في الثقافة العربية التي تستمد مرجعيتها من الدين الإسلامي.

كتاب رائع من أجمل ما قرأت في هذا الموضوع، ورغم أن المقالات الأولى في الكتاب تحمل صوتًا ثوريًا يناسب عقد الستينات والسبعينات أكثر من وقتنا الحاضر، إلا أن تسلسل الأفكار وعرض المفاهيم والمنهجية البحثية المتبعة لا تدع مجالا للملل أو الإلغاز. برأيي أروع جزء من الكتاب هو القسم الثالث الذي يبحث في الفكر الإسلامي وعلاقته بحقوق الإنسان، داعيًا إلى تفكر حقيقي بالكليات الإسلامية وأولويتها على الأحكام الجزئية التي قد يبدو أنها تناقض حقوق الإنسان.

مثال: عند مناقشة موضوع حقوق الإنسان في الإسلام كثيرًا ما تُثار قضية قتل المرتد على أنها اعتداء سافر على حق الإنسان في اختيار دينه. لماذا يُقتل الإنسان لمجرد أنه لم يقتنع بالإسلام أو وجد فيه ما لا يقبله؟ فيبين محمد عابد الجابري أولا أن حكم المرتد في القرآن ليس القتل في كل المواضع، ففي الآيات المكية يكون الحكم هو غضب الله ولعنته وجهنم. "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم..." و "من كفر بالله من بعد ايمانه، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم". أما بعد قيام الدولة الإسلامية فالمرتد ليس من يغير دينه فقط، بل هو خارج على الدولة التي تخوض حربا مع المشركين، ولذلك فهو أقرب ما يكون إلى الخائن والمحارب. وهناك فقهاء اختلفوا في حكم المرتد حسب كونه محاربا أم لا، فهل يقتل أم يُستتاب اولا..الخ. من دون الدخول في قضايا فقهية لست أهلا لها، يبدو أن مفهوم المرتد هنا ليس من دخل ديني ثم كفر به، بل من خرج على دولتي وانضم لأعدائي يحاربني. والله أعلم!

عمومًا..كتاب أنصح به بشدة، وهو يستحق القراءة أكثر من مرة.
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.