06 سبتمبر 2010

قراءات: "خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل"


قرأتُ في اليومين الماضيين كتاب "خفايا التوراة: وأسرار شعب إسرائيل" للباحث (كمال الصليبي)، وفي حقيقة الأمر أنني قرأتُ "منه" ولم أقرأه كاملا. الكتاب صادر عن دار الساقي في طبعته السادسة عام 2006، وقد صدر لأول مرة باللغة الإنجليزية عن الدار نفسها عام 1988. هذا الكتاب وغيره من كتب كمال الصليبي أثارت جدلا كبيرًا، وهذا يفسر ازدياد مبيعاتها.

من يريد أن يقرأ هذا الكتاب لا بد أن يعرف أولا أن المؤلف يصدر من نظرة بحثية تتفحص النص وتحلله وتفككه لتشكّل قراءة خاصة جديدة تنسجم مع معطيات تاريخية وتفصل بين ما يُمكن أن يكون تاريخ وما هو أسطورة أو خرافة. لذلك فكمال الصليبي حينما يحلل التوراة لا ينظر إليها على اساس أنها كلام الله المنزل، بل نصوص كُتبت وحُفظت لتشكل التراث اليهودي والمسيحي أيضًا. فمثلا عندما يحلل قصة آدم، يخلص إلى القول بأنها تجمع ما بين الخرافات والأساطير، وبناء على أسماء الأماكن في جزيرة العرب يرى بأنها تفسّر الكثير من تلك الأساطير. الربّ خلق الإنسان في مكان ما غرب جنة عدن، وهي واحة "الجنينة" شرق منطقة "عسير"، ثم جعله في جنة عدن بعد أن زرع فيها أشجار كثيرة، وكانت هناك شجرة المعرفة وشجرة الحياة. ثم خلق امرأة من ضلعه وجاء الحنش فأغواها وأغرت هي آدم. أما شجرة المعرفة فتخص إله المعرفة، وشجرة الحياة تخص إله الحياة، ثم أصبحت حواء إلهة بعد أن اكلت من شجرة الحياة الأبدية، وصار الحنش إلها ثانويًا لأن الآلهة استعانت به لإغواء آدم الذي وضعه الربّ "يهوه" للتعدي على إلهَي المعرفة والحياة. وهناك أماكن قرب عسير تتطابق أسماؤها مع هذه الآلهة في نطقها العبري أو المحرّف قليلا. أما قصة قابيل وهابيل فهي رمز خرافي إلى نوعين من العبادات أحدهما يمجّد أكل اللحوم والآخر أكل النباتات. وهابيل أصبح لاحقا الإله "هبل" المعروف، كما أن قابيل (قايين في العبرية) وُجد كاسم شعب كان يسكن جنوب اليمن.

ويُعرف كمال الصليبي بمنهجه الذي يحلل أسماء الشخصيات والمواقع الجغرافية في القصص التوراتية ويعيد نسج هذه القصص بما يتلاءم مع التاريخ والواقع حسب وجهة نظره. وأشهر ما عُرف به كمال الصليبي هو أنه ينفي كون منطقة "من الفرات إلى النيل" مسرح الأحداث التي تذكرها التوراة، ويحاول إثبات أن المسرح الحقيقي كان جزيرة العرب.

ولا أستطيع في هذا العرض المختصر ذكر تحليلاته واستنتاجاته الكثيرة عن قصة آدم والأنبياء نوح وإبراهيم ويوسف وموسى وغيرهم، إلا أنني سأورد هنا تحليله لقصة النبي يونان (يونس) كمثال، وقد اخترته لسببين: الأول أن هذا الفصل أقصر الفصول، والثاني أنّ المؤلف يعتبر مسرح أحداث هذه القصة هو عُمان، بلدي.

يقول كمال الصليبي في الفصل العاشر من كتابه ما يمكن أن ألخصه في التالي:
سِفرُ يونان من النصوص التي كُتبت متأخرة في التوراة، ويُرجح أنها كتبت في العراق. ويبدو أن كاتب هذا النص قدّ حول اسم "نزوة" إلى "نينوى" فطغى الاعتقاد بأن المكان الذي تقع فيه أحداث القصة هو العراق.

يذكر سفر يونان أن (يونان بن ءمتاي) كان موطنه "جت حافر" قرب مكان اسمه "قاصين". وحاولتُ (أي المؤلف) أن أجد هذين المكانين في خريطة الشرق الأدنى فلم أجدهما قرب بعض إلا في عُمان. و "جت" تعني التلال أو المرتفعات، أما "حافر" فهي اليوم "حفرا" في مرتفعات في منطقة "نخل" و "وادي المعاول" في الباطنة في عمان. أما "قاصين" فهي اليوم "الغيزين" وهي قرى من قرى الباطنة.

أما القصة باختصار فتقول بأن الرب أمر يونان بن أمتاي بالذهاب إلى نينوى ليدعو أهلها. ذهب يونان إلى "يافا" تهربًا من المسؤولية، ووجد سفينة شحن ذاهبة إلى "ترشيش" فدفع أجرتها وركب فيها. هاج البحر وسقط فيه. وبعدما خرج من بطن الحوت الذي أوصله للبر طلب الرب منه ثانية الذهاب إلى نينوى وينذر أهلها بعذاب بعد أربعين يوما. خاف أهل نينوى وصاروا يدعون ويستغفرون ويتوبون، فمنع الله عذابه عنهم. أصيب يونان بخيبة أمل لأن نبوءته لم تتحقق.

وهناك في سفر يونان صلاة منسوبة إلى النبي يونان يُستنتج منها ما يلي: كان يونان مسافرا مع جماعة ما في البحر، فهاج بهم وسقطوا فيه، ونذر يونان ذبيحة للرب إن هو نجّاه، وكذلك فعل الذين معه. وقذفت الامواج بيونان ورفاقه إلى "الساحل نفسه" الذي انطلقوا منه. وكان يونان في مكان اسمه "صوله" عندما عزم على السفر. ودعا يونان ربه في مكان اسمه "صوره" ثم في مكان اسمه "بطن شءول" فاستجاب له ربه. وبعد وصوله سالما سار إلى مكان اسمه "رحيه" ثم إلى مكان اسمه "عولم". وبعدما وصل يونان إلى عولم جاء قومه لملاقاته هناك. أوفى يونان بنذره فقدّم ذبيحة للرب، أما رفاقه فلم يوفوا بنذرهم وذهبوا إلى مكان اسمه "شوء" وذبحوا للأصنام.

ما هي "ترشيش" التي أراد يونان الذهاب إليها؟ احتار العلماء في تحديدها، وتبدو لي (أي المؤلف) أنها قرية "شرشيتي" غرب ظفار في سلطنة عمان اليوم. وأراد يونان الإبحار إليها من ميناء ما قرب منطقته "جت حفرا" أي نخل ووادي المعاول، وأقرب هذه الموانئ موجودة في مسقط. هذا ولا يمكن أن يكون الإبحار إلى ظفار من يافا في فلسطين، إذن فيافا هذه مكان آخر.

والآن يمكن تحليل الأسماء في القصة:
1- تقول التوراة أن النبي يونان اسمه يونان ابن أمتاي (بالعبرية ءمتي). وهذا لا يعني بالضرورة أنه اسم والده، بل يمكن أن يكون اسم مكان. واليوم توجد قرية "إمطي" في نخل ووادي المعاول، وقرية أخرى اسمها "إمطي" في إزكي في المنطقة الداخلية في عمان. ويبدو أن أهل يونان كانوا يتنقلون بين المنطقتين.
2- يقول يونان أن الرب "طرحه في قلب البحار" من "صوله". واليوم توجد قرية "زولة" بجوار نخل ووادي المعاول.
3- في القصة أن يونان وجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش عندما ذهب إلى "يفو". واليوم "يفو" هذه هي قرية "آفي" في نخل ووادي المعاول قرب زولة.
4- يقول يونان إن الدعاء الأول الذي دعاه كان في "صوره"، واليوم هي ميناء صور في شرق ساحل عمان.
5- أما الدعاء الثاني فكان من "بطن شءول"، واليوم هو وادي (أي بطن) "سال" في داخل عمان، وفي وادي سال قرية اسمها "الباطن"، وعلى مقربة منها هناك قرية "أبو يونه"، و يونه هو الاسم التوراتي ليونان.
6- بعد وصوله إلى البر نزل يونان إلى أرض "رحيه" ثم إلى "عولم"، واليوم هي حارة "الرحي" و "عُلَم" في منطقة إزكي.
7- يقول يونان إن الرب أتى بقومه من "شحت" ليلاقوه في "عولم"، وقد تكون "شحت" هذه اليوم هي "الشحة" في إزكي.
8- يقول يونان أن رفاقه نكثوا بنذرهم وقدموا ذبائحهم إلى أصنام "شوء"، واليوم هي قرية "شياء" بجوار عبري في الظاهرة في عمان.
9- تقول القصة إن يونان عندما ذهب إلى نينوى كانت نينوى على مسافة ثلاثة أيام من مكان اسمه "ءلهيم"، وفي داخل عمان شرق إزكي هناك قرية اسمها "آل هيما" في جبل آل هيما.
10- أما نينوى، فكما جاء من أوصاف في القصة قد تكون هي نزوى وتم تحريفها.

هذا اختصار للتحليل الذي قدّمه كمال الصليبي، ولا يُغني عن التفاصيل والاستدلالات المتعلقة بالجغرافيا والمسافات بين الأماكن وتواجد الحيتان وما إلى ذلك. وإنما وددتُ فقط أن أشير إلى منهجه في التحليل إشارة سريعة. وقد لا يكون هذا المثال نموذجًا مثاليًا إذ لا يحتوي على تحليل للخرافات والأساطير والآلهة المتعددة التي يشير إليها الصليبي في القصص الأخرى. ربما توقفت عن قراءة الكتاب لأنني غير مستعد لقراءته كاملا والتدقيق في محتوياته، فعندما تقرأ كتابًا مثيرًا للجدل تحتاج إلى معرفة ولو بسيطة بمجال التخصص حتى تستطيع اتخاذ موقف. هذا وأجد نفسي غير مطمئن إلى منهج الباحث، وسأترك ذلك للمختصين. إن محاولة تفسير الأسماء بهذه الطريقة والمقابلة بين الأسماء القديمة والجديدة ليست آمنة أو مقنعة دائمًا وهي تبسيطية أكثر من اللازم، كما أنّ الباحث كثيرًا ما يقابل بين اسمين فيهما بعض التشابه ليقول بأن عملية قلب لغوي جرت عليها، إلا أنه لا يقدّم تفسيرًا واضحًا لعمليات القلب هذه ومعايير حدوثها واستخدامها.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.