06 نوفمبر 2010

قراءاتكم: رواية "نباح" لعبده خال (قراءة: د. فاطمة الشيدي)




معلومات عن مؤلف الرواية (تقديم صديقة المدونة مريم العدوي)

عبده خال ، روائي سعودي من مواليد جازان 1962 م
حاصل على بكالوريوس علوم سياسية جامعة الملك عبد العزيز
المؤلفات/
1-حوار على بوابة الأرض: مجموعة قصصية صادرة عن نادي جازان الأدبي 1984
2-لا أحد: مجموعة قصصية صادرة عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة 1986
3-ليس هناك ما يبهج: مجموعة قصصية صادرة عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة 1988
4-الموت يمر من هنا: رواية صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1991
5-حكايات المداد: مجموعة قصص للأطفال صدرت عن نادي جدة الأدبي 1994
6-مدن تأكل العشب: رواية صدرت عن دار الساقي بلندن 1998
7-من يغني في هذا الليل: مجموعة قصصية صدرت عن دار الراوي بالدمام 1999
8-الأيام لا تخبئ أحدا: رواية صدرت عن دار الجمل بألمانيا ‏2000‏
9-الأوغاد يضحكون: مجموعة قصصية صدرت عن دار نجيب الريس ببيروت 2002
10-الطين (ذلك البعيد كان أنا): رواية عن دار الساقي بلندن
11-رواية "فسوق"عام 2005
12-رواية بعنوان "ترمي بشرر"عام2008 التي فازت بجائزة البوكر العالمية في نسختها العربية للإصدارات الروائية عام 2010.ومن شروط الجائزة ألا يرشٌح الكاتب روايته بنفسه، بل تقوم بذلك دار النشر، ولكل دار ترشيح ثلاثة أعمال صدرت عن عنها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وذلك استثنائيا للدورة الأولي، على ألا يتجاوز عمر الرواية السنة الواحدة للدورات اللاحقة وهي تشمل الدورة الثانية والثالثة. وسيتم ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية.
و له بعض القصص المترجمة.


نباح بين الحب والسياسة

قراءة: د. فاطمة الشيدي

(نشرت هذه القراءة في ملحق شرفات - جريدة عمان الاثنين 25 أكتوبر 2010)


1
الكتابة فعل ذاتي، وكل محاولات الكاتب في التملص من ذاتيته هي محاولات تسير به نحوها أكثر، هكذا تشعر وأنت تقرأ رواية نباح للروائي السعودي عبده خال، ولكن عبده خال لا يريد أن يضللك أصلا، بل هو يطرح عليك الأمر في غاية الوضوح والبساطة في الكثير من المواضيع، وكأنه لا يريد ألا تشترك معه في فعل التصديق مباشرة، فهو يحسم هذه الفكرة باستخدام ضمير المتكلم، وبحشد الكثير من صفات الكاتب الحقيقية وباستحضار ملامح المكان السعودي وتجسيد انتمائه له، وتحديد طبيعة وظيفته الصحفية، بل وبالكثير من الملامح الأكثر دقة التي تلامس الواقع الحقيقي للكاتب، والكثير من الأمكنة والأسماء الحقيقية اليمنية، مثل «عبد العزيز المقالح» ، و»جدي الأهدل» وغيرهم. .

2.
تدور الحكاية في رواية «نباح» حول قصة حب قديمة وقوية بدأت من فترة المراهقة واستمرت لزمن ليس بقصير، ربطت بين شاب من السعودية وفتاة يمنية، ولكن أسباب الحياة والفراق ما لبثت أن تدخلت، فتنتقل عائلة المحبوبة إلى اليمن، حيث ينسج القدر لعبته، فتضيع كل الخيوط التي تمكنّه من معرفة مكانها الحقيقي في اليمن، ويجتهد على مدى عشر سنوات للبحث عنها رغم أنه قد تزوج (زواجا تقليديا) وكوّن عائلة وأنجب الأطفال. ورغم أن روحه (الذاهبة في الحنين والبحث وراء المحبوبة) كثيرا ما تحن إلى هذه العائلة الصغيرة للركون إليها والأنس بها، وتذكّر جماليات كل شخص فيهم بما فيهم زوجته، إلا أنه يستمر في البحث والسعي لها، ضاربا بكل شيء عرض الحائط، متناسيا كل شيء إلا وجهها وعشقه لها، وحنينه إليها.
وفي إحدى المرات التي قرر فيها السفر إلى اليمن تتصاعد خلافاته مع زوجته (التي يقدّمها بصورة طيبة، حيث عانت معه الكثير من الوجع والإهمال بسفراته المتكررة، وسعيه الحثيث والمتكرر للبحث عن «وفاء) فيضطر أن يطلقها ويترك لها الأطفال قبل أن يغادر.
وفي الرحلة التي تسير ضمنها أحداث الرواية؛ يذهب الراوي/الصحفي بتكليف من الصحيفة التي يعمل فيها لحضور مؤتمر عربي رسمي في اليمن، وهناك يقرر أن يخصص كل وقته للبحث عن حبيبته الغائبة بعد أن ينتهي المؤتمر، وبعد بحث وجهد وتعب ومعاناة يجدها، ولكنه يجدها وقد وقعت في براثن البغاء امتثالا لشروط الحياة القاسية، فيعود يجرجر ثقل خيبته وهزيمته وخسرانه الكبير. وضمن هذه الفكرة يسجل الكاتب أحداث رحلته بشخوصها وأزمنتها وأمكنتها بدقة متناهية.

3.
يشتغل عبده خال في روايته «نباح» على التنقل في الزمن بين الماضي البعيد والقريب وبين الحاضر بخفة ورشاقة سردية مذهلة، فتجده يحكي قصة كل شخص يعبره في الذاكرة القريبة منذ بداياته وحتى مصيره الحاضر، شارحا ذلك الحضور بكل خلفياته الثقافية والاجتماعية والسياسية والمادية، رابطا بين الزمن في فكرة «العلة والمعلول» ليجعل الزمن مبررا لكل الغايات والوسائل، الزمن القادر على تغيير البشر والحياة والواقع بعنف وقسوة غير مقبولة في كثير من الأحيان.
وهو في ذلك يتخذ من الحاضر نقطة الانطلاق، لكنه ما يلبث أن يذهب بعيدا في الماضي مستدعيا ذلك الماضي، بكل جمالياته العشقية والحنينية من جهة، والقسوة والشراسة الإنسانية والسياسية من ناحية أخرى، وهذا التداخل الزمني يجعل القارئ مرتبكا أحيانا كثيرة حول فكرة الآني والماضي البعيد في الذاكرة، كما تجعله متحفزا للقفز فوق الزمن أحيانا كثيرة ليطلق لمخيلته العنان لاستدراك غايات الكاتب ووعيه والفكرة التي يريد أن يوصلها لنا عبر سرد مطول وعميق.

4.
تدور أحداث الرواية بين مكانين وفضاءاتهما الجزئية، هما «السعودية» وتحديدا جدة، و «اليمن» صنعاء وعدن، وبعض الأماكن اليمنية الأخرى، ولكن المكان الأول أي «جدة» هو في موجود في الذاكرة فقط، لأن الرواية تبدأ التسجيل السردي ضمن فكرة الاسترجاع الزمني «الفلاش باك»، حيث تبدأ أحداثها في طريق عودة الكاتب من عدن إلى جدة، ثم تأخذ الرواية قارئها في تراوح ضمني بين زمنه الحاضر في اليمن حيث وجود الصحفي لحضور وتغطية «مؤتمر الديمقراطيات الناشئة»، والسياحة القصيرة في أمكنة ووجوه وأسرار وأحلام وأحزان وتاريخ اليمن، وبين زمنه الماضي في جدة حيث النشأة والحياة والذاكرة الملبّدة بالعشق والسياسية وكل مكونات الوعي والفكر والحنين.

5.
يسرف الكاتب في رصف روايته بكل الشخصيات الممكنة في الواقع بكل خيرها وشرها، كما يقدم وصفا دقيقا لكل شخصية منها من خلاله هو، أي من خلال توصيفاته ونظرته وتحليلاته الذاتية، فهناك سماسرة الحرب «حرب الخليج» ، بكل ما يحملونه من قذارات نفسية وكذب وتدليس وتجارة بالفكرة والإنسان، وهناك سماسرة الأجساد الذين يبيعون المتع ويمتهنون الأرواح، وهناك المتدينون الذين يكفّرون كل من لا يذهب مذهبهم، وهناك الدنيويون الذين يعيشون يومهم كيفما اتفق بلا تفكير، وهناك النساء الجميلات كوفاء، والحنونات كأمه وزوجته، والمترجلات «كسلوى» التي قدمها بأبشع وأعنف ما تقدم امرأة، وأم زوجته «جعدة» والتي أسماها الغولة.

6.
لغة الرواية تتميز بالعمق والجمالية، فهي لغة محكمة الصورة والتأمل والرؤى، وتقترب من الروح الشعرية مع عدم الإغراق فيها، فهي لغة وصفية متأنية في الوصف وفي الرسم للمشهد السردي المتداخل، كما يتميز أسلوب الرواية بالمزج بين الحديث النفسي الداخلي الشفيف، والحوارات التي تطرأ على النص حسب الفكرة والشخوص.

7.
تؤرخ الرواية لحرب الخليج وسقوط بغداد وكيفية تعامل أهل المملكة مع تداعيات هذه الحرب، وتخوّف الناس العاديين من مغباتها، وتبعاتها، واستغلال التجار لحاجة الناس وخوفهم من الحروب، ببيع الأقنعة الواقعية، والملابس والأسلحة التي يمكن أن تحميهم من صدام وجنوده.
مقدمة لنا الصورة الخارجية للحدث، ومظاهر خوف الناس وترقبهم، في حين يظهر من الرواية كره المجتمع لصدام وخوف الناس منه ومن أعوانه، إلا من بعض الأشخاص -الذين يظهرون كنغمة نشاز- إذ يتحدثون عن عدم عدالة هذه الحرب، ومساوئها على العراق وعلى المنطقة والشعوب العربية.

8
كما أن المؤتمر الذي حضره وكان حول الديمقراطية هو تجسيد لصورة من ملامح الجو العربي المشحون بالكلام والأحاديث والتنظير وغياب التطبيق الحقيقي للأفكار الكبيرة، والأحلام التي تسقط في آبار الهزائم العميقة يوما بعد يوم.
والنص حافل بالكثير من الإشارات السياسية عن الاحتلال الإنجليزي، والروسي لليمن حيث ترك الأخير آثار الشيوعية الماركسية بكل ما خلفته من وعي ووعود كاذبة، وخذلان لفكرة الحق والخير والجمال، وهزيمة الإنسان العربي بالجوع والمرض والفقر والحروب.

8.
تقدم الرواية صورة باهتة للمرأة في المجتمعات العربية، حيث كل الشخصيات النسائية التي أدرجها الكاتب لا تحظى بأي وعي فكري أو إنساني أو تميز على أي صعيد إلا الصعيد الجسدي، فالمحبوبة «وفاء» وضع لها الكاتب كل صفات الحسن والجمال، والقليل من الوعي الذي لم يقدر في نهاية الأمر أن يصمد أمام إغراء المادة وتلويحات السماسرة والسقوط في براثن الخطيئة، والزوجة الطيبة بضعف حيث لا تملك إلا «العبث بأصابعها في أقرب شيء ما أن يعلو صوته»، وهناك «جعدة» الحماة الشريرة، والأم البسيطة، «وسلوى المترجلة»، فلا توجد صورة نسائية راقية تقدم المرأة العربية بصورة مشرقة.

9.
تعكس الرواية صورة مرتبكة للمثقف العربي، حيث الفصام ينخر روحه وفكره، بين التنظير والتطبيق، وبين الكتابة والحياة، وبين الفكر والوعي والمتعة، مقدمة صورة من اللاموقفية الإنسانية والفكرية، فالكاتب الذي يحمل حقيبة سفره من جهة إلى جهة سعيا وراء البحث عن محبوبته (كفكرة إنسانية راقية) لا يترفع عن كل المتع من الشراب والسهر والنساء، بل يجاهر بالبحث عنها منذ أول وهلة وطء فيها أرض اليمن، وكأن هذه هي غايته من الحياة، كما أنه لم يتوان في بصق كلمة الطلاق في وجه زوجته مباشرة حين واجهته معترضة على سفره المتكرر ورغبتها في مرافقته، كما تجسد الرواية عدم مبالاته بأسرته حتى انه تخلى عن أطفاله، وهو بهذا يقدم نموذجا سلبيا للمثقف الذي يفترض منه أن يقدم للمتلقي دروس الاحترام للذات وللأسرة وللمرأة، وهذا النموذج السلبي للمثقف هو الذي طالما سعى البعض لتكريسه في مجتمعاتنا اللاواعية بقيمة الإنسان والحياة والأسرة. وعلى الكاتب الحقيقي أن يؤسس لخطاب نقدي لكل هذه التصرفات الرعناء، وتقديم صورة مشرقة للكاتب.
كما أن صورة المثقف الفكرية أكثر ارتباكا في النص، حيث يظهر الكاتب بلا موقفية في الكثير من القضايا الإنسانية، فلم يوضح موقفه الأخلاقي من «الحرب ضد العراق» بأي عبارة أو جملة إدانة لها، بل تحدث عنها بحيادية غير لائقة بصفته إنسانا يدرك ويلات الحروب على الشعوب، وبصفته مثقفا عربيا قبل وبعد كل شيء. بالإضافة إلى قضايا الجوع والفقر والبؤس التي عبرها بصمت.

10.
تستمر الرواية على مدى 319 في مشاركة القارئ للراوي البحث عن حبيبته من مكان إلى آخر، ومن شخص إلى آخر حتى يصدم صدمة كبيرة بضياع الحلم، أو سقوطه، فيسقط معه في براثن الخيبة والهزيمة والوجع والألم، فتنتهي الرواية بهزيمة إنسانية جارحة، يمكنها أن تكون رمزا للهزيمة الوجودية الكبرى.

*نباح ، رواية لعبده خال ، صادرة عن منشورات الجمل ، 2004



ملحوظة: شكرًا لصديقة المدونة مريم العدوي على إرسال هذه القراءة، وشكرًا كثيرًا للدكتورة فاطمة الشيدي على تكرمها بالموافقة على نشرها هنا.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.