21 ديسمبر 2010

قراءاتكم: رواية "العصفور الأول" (قراءة: إيمان فضل)


(نُشر هذا المقال في مجلة الفلق الإلكترونية)

“كيف أكتب كلماتٍ كالموسيقى، كأصوات العصافير، أو حتى كنقيق الضفادع؟” *

هكذا تبدأ أزهار أحمد روايتها “العصفور الأول” الصادرة عن دار الجمل بألمانيا، وهي الرواية التي غيرت نظرتي للروايات العمانية، و يمكنني القول بأنها أفضل رواية عُمانية قرأتها إلى الآن، فالحد الذي تملكتني به الرواية لم يصادفني في رواية عمانية سبقتها! تقدم الكاتبة فكرة فريدة من نوعها قلما يصادفك كتاب يحرضك ويحدثك على أن “لا تتجاهل الصوت الذي ينز بداخلك”*!

دعوني أسر لكم بسر صغير، لطالما أحببت العصافير وتركت لها فتات الخبز والحبوب بنافذة المجلس ثم جلست أراقبها، كان العصفور الأول الذي أمسكه بين يدي يرتعش حتى أطلقته! ذكرني عصفور/رواية أزهار أحمد بعصفوري الأول، قلقي حين أمسكت أول عصفور بين يدي في طفولتي كان كقلق “مقرن” وهو يحاول الإمساك بعصفوره “الرواية الأولى”، أجادت الكاتبة نقل هذا القلق الذي يسكن الروح، فهو حينا يملؤها حد الغرق، وحيناً بعدها بفلسفات لا يمكن للكاتب أن يتجاهلها فتجده يصرح قائلاً .. “أشعر برغبة في الصراخ وكأنني لم أعش حياتي من قبل، كأنني شخص آخر، أفكاري مضطربة متضاربة. لِمَ يجب أن أكتب، هل لمجرد أنني أنزف طاقة لا أعرفها، يكفي سبباً لامتهان الكتابة؟ هل الكتابة امتهان؟ وهل يستحق البشر فعلاً أن أنزف لأجلهم، وأخاطر بنفسي، ومن ثم يرمونني بالحجارة؟ مَن سيقرأ لي أنا الناهض فجأة من لا شيء؟”*


تأخذنا أزهار في رحلة الكاتب الذي يريد أن يكتب الموسيقى فيبحث عن الألم الحقيقي للكتابة، إذ يقرر مقرن أن يعيش الألم ليكتب النور لهذا العالم-بتحريض من صديقه الذي يتحدث في فصل الموسيقى-، وبعد صراع داخلي وفكري يقرر زيارة العالم ويبدأ رحلة في الهند، فترافقه المرشدة السياحية أنيتا في رحلة يطلب فيها الغرق وينشد فيها الحزن والفرح معاً، ليجد الفقر في أبشع صورة بـ فيروز أباد مدينة الزجاج المنسية ومدينة الطفولة المفقودة، “كان الجوع يتدلى من عيون الأطفال ومن ابتساماتهم الجافة، كانوا أضعف من أن يلعبوا أو يقفزوا، وكلما مررت بإنسان هُيئَ لي أنه ظلٌّ قابضٌ على روحه”.


أنيتا تحمل مقرن لما هو أبعد من جولة سياحية فتسمعه يقول بعد أيام بداخله عنها “إنها امرأة مثالية تماماً للحب والكتابة”، وتصبح أسنانها البيضاء غراماً ينسيه أوجاع العالم ويدخله في وجع الحب، فكيف لكاتب أن يكتب دون أن يحب؟ تعطي أزهار لأنيتا القلم لتكتب هي أيضاً وتحكي لنا قصتها، قصة تصدم القارئ وتدهشه ؛ فالهند بلاد العجائب تحمل بجوفها ملايين القصص.

رغم كل ما تحمله الرواية من وجع الإنسانية في نصفها الأول إلا أن فكرة “القتل لمجرد الرغبة في القتل” تستحوذ على مقرن، فكيف يتخلص مقرن من هذه الفكرة؟ وكيف تتعامل شخصية مبدعة تعيش اللحظة بكل جنونها وتعلقها مع فكرة القتل؟ وإلى أين يصل هذا الكاتب الشاب الذي راح يبحث في 175 صفحة عن النور الذي سيضيء العالم؟ لم تجب أزهار عن هذه التساؤلات فقط بل قدمت للكاتبة رحلة مثيرة للكتابة بكل ما في الإبداع من وجع ولذة، بكاء وحب، دم ودموع.

المؤسف أنّ الرواية يمكن تغييرها بسهولة لتصبح رواية من بلد آخر، أعني أن الملامح العُمانية لشخصية الفرد والمكان لم تكن محفوره بذاك العمق، فالجامعة يمكنها أن تكون جامعة في الكويت أو سوريا، والعاصمة قد تكون الرياض أو بيروت، تمنيت لو أشعر بحميمية وأهمية المكان/العُماني، بعكس ما قدمته الكاتبة من صور للهند تجعلك تدرك يقينا أنها الهند لا بلد سواها! ليس هذا انتقاصاً من قيمة الرواية –في رأيي كقارئ- لكنها أمنيات لكتبات قادمة بإذن الله

*أزهار أحمد، رواية “العصفور الأول”


بقلم: إيمان فضل




لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

1 comments:

غير معرف يقول...

جميل يا إيمان

رغم أني حين رأيت الرواية لم أتشجع لها ولكن قراءتك أثارت شهيتي


سلمتِ

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.