30 يناير 2011

كتب تجمعنا: قراءة في رواية "موستيك" للكويتي (وليد الرجيب)


ضمن مبادرة "كتب تجمعنا" التي تشترك فيها هذه المدوّنة مع المدوّنة الكويتية "مكتبتي" قرأتُ رواية "موستيك" للكاتب الكويتي (وليد الرجيب)، الصادرة عن دار الفارابي عام 2008في 172 صفحة.

شدّتني هذه الرواية ولا أعرف حقًا السبب الحقيقي الذي جعلني أقلّب صفحاتها بسرعة لأصل إلى النهاية دون إحساس بالوقت. ربما لأنها تتحدث عن الكويت التي طالما تعلقت بها بفضل فنانيها، وربما لأنها تتحدث عن سرّ يجعل القارئ يلهث حتى يعرفه في نهاية الرواية، وربما لسلاسة السرد وجماله، وربما لأن الرواية تتحدث عن حقبة الستينيات المثيرة والتي يصفها السارد بأنها "مرحلة سحرية بالنسبة لي، فهي مرحلة ألفيس برسلي والبيتلز والبيتش بويز، ومرحلة بعض الموظفين الكبار الذي يحضرون معهم ظهرًا الجريدة الرسمية "كويت اليوم" وثلاجة يدوية مليئة بالبيرة من شركة "كري مكانزي"، كانت مرحلة دوي المكيفات، ومرحلة غناء عوض الدوخي بعد أخبار الواحدة ظهرًا، مرحلة أمير الكويت عبدالله السالم الصباح عندما كان يمر بسيارته الكاديلاك على الدوار الذي يفصل بين منطقة العديلية والفيحاء والروضة والنزهة، ونحييه تحية عسكرية ونحن صغار..أيام شوربة العد في المدارس". (ص14-15).

بطل الرواية مصطفى الملقّب بـ"موستيك" شخصية جميلة أجاد المؤلف في صياغتها، ومنذ البداية يريد (وليد الرجيب) منا أن نعرف أنه "ليس إنسانًا عاديًا، بل كان أشبه بالأسطورة منذ يوم ولادته" (ص12). وُلد (موستيك) استجابة لدعاء والدته عند ضريح الإمام الرضا، وكان منذ صغره غير عادي. كان يفكك كل الأشياء ويحاول إعادة تركيبها، وكان شجاعًا يحب ركوب الخطر. ومثل أبطال "الحرافيش" كان (موستيك) قويًا شجاعًا لا يُغلب في المعارك، وكان جميع "الفتوّات" في الحارات المحيطة يهابونه. ومع ذلك نجده نبيلا ذا أخلاق فروسية، فلا يعتدي على أحد، ولا يبطش بضعيف، بل ونجده رقيقًا رومانسيًا في علاقته مع "خيجوه" (تدليل خديجة) يحبها ويكتب اسمها على جدران غرفته، رغم معرفته بعلاقاتها مع صبيان الحارة، فهو يعتبرها ضحية.

أعجبتني التقنية السردية التي اتبعها المؤلف والتي تذكرنا بفيلم "المليونير المتشرد"، حيث تأخذنا لحظة ما في مشهد معين إلى مشهد أو مشاهد عديدة في الماضي. أحداث الرواية كلها تدور في سويعات في يومٍ واحد إثر حريق شبّ في بئر نفط يُعتقد أن موستيك هو المتسبب به، ولكن الانتقالات من الحاضر إلى الماضي وإلى المستقبل أيضًا هي التي تملأ الرواية. والجميل أن الانتقالات كانت سلسة مُريحة، لا تنفّر القارئ أو تشعره بثقل.

هناك الكثير من الرسائل أو الثيمات الفرعية التي يتناولها المؤلف في هذه الرواية، ومن أبرزها الاعتراف بالتعددية في المجتمع الكويتي، فموستيك وعائلته من "العجم" أي ذوي الأصول الإيرانية، وكذلك خيجوه وعائلتها، ولكن الرواية لم تعاملهم كـ"آخرين" بل ككويتيين رغم اختلاف اللغة والمذهب الديني. ولا نجد في السرد أي تحرّج من استخدام اللغة الفارسية، أو استخدام الأسماء ذات الصبغة الفارسية مثل "دي علي" (أم علي) و "دي زارو" (أم زهرة)، و "فاتي" (فاطمة)، إلى جانب ذكر بعض الطقوس الدينية "الشيعية" فهي جزء من المجتمع الكويتي. وربما أراد المؤلف أن يؤكد على رسالة التعددية هذه في حوار بين موستيك والبدويّ (مانع نهار) حيث يسأل موستيك: "أليس من المفروض أن البدو والعجم أعداء؟" فيردّ مانع: "البشر واحد كلهم مواطنين، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، أنت كويتي وأنا كويتي، وش هالخرابيط! في الكويت ناس نزحوا من كل مكان من تركيا إلى العراق إلى إيران إلى نجد إلى فلسطين إلى الهند إلى مختلف الأصول، كلهم عندهم جنسية كويتية وكلهم مواطنين يحبون الكويت" (ص163).

لديّ ملاحظة أخذتها على المؤلف تتعلق بالحواشي، فقد كان المؤلف يورد أحيانًا جملا بالفارسية على لسان بعض الشخصيات "العجمية" ويضع بجانبها الترجمة العربية بين قوسين، إلا أنه كان يكرر هذه الترجمة في الحاشية، وهذا تصرف غريب أو خطأ لم ينتبه إليه في المراجعة النهائية للرواية قبل الطباعة.

الرواية بشكل عام جميلة في تسليطها الضوء على عالم الستينيات في الكويت، حيث نشهد دخول الأجهزة الحديثة كالراديو والتلفزيون والغسّالة الكهربائية، ونعيش في الحارة الكويتية في منطقة "حولّي" بصبيانها ورجالها ونسائها. والرواية جميلة في خلقها شخصية مثيرة مثل موستيك (والذي بالمناسبة لا يحضر بشكل مباشر كثيرا في الرواية)، رغم أن النهاية كانت محبطة بعض الشيء إذ يشعر القارئ أنها صيغت على عجل لإنهاء الرواية. برأيي أنّ المؤلف لديه مهارة واضحة في خلق الشخصيات بشكلٍ يسهّل على القارئ تخيّلها والعيش معها، ولغة سلسة فصيحة سليمة واقعية حين يحتاج الموقف، وقدرة على الإمساك بخيوط السرد بشكل جميل، إلا أنه (في هذه الرواية على الأقل) لا يمتك نفسًا روائيًا طويلا. أتطلع إلى قراءة رواية أخرى لهذا الكاتب، وقد تكون رواية "بدرية" التي يبدو أنها نالت على إعجاب الكثيرين.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.