26 أكتوبر 2011

إصدارات: رواية "السيد الرئيس" الممنوعة لميجال استورياس



(المصدر: شبكة محيط، 23 أكتوبر 2011)

رواية "السيد الرئيس" الممنوعة لميجال استورياس

كتبت - أماني ربيع

صدر مؤخرا عن دار "أروقة" للترجمة والنشر رواية "السيد الرئيس" للروائي الجواتيمالى ميجال أنخيل استورياس الحائز على نوبل للآداب عام 1964والتى ظلت محجوبة طويلا عن العالم العربي .


عرضت هذه الرواية كاتبها للملاحقة ثم الاعتقال في الأرجنتين وقد كتبت عام 1933خلال سنوات المنفى في باريس إلا أنها لم تنشر إلا في عام1944 .

والرواية- التي لم يحدد استورياس مكانا لأحداثها - تستعرض صفحات من دفتر يوميات أى شعب يحكمه ديكتاتور بتفاصيل الحياة اليومية التي تعبر عن واقع سياسي واجتماعي يرزح تحت وطأة الظلم والقهر وهى استلهام لديكتاتورية كابريرا الذي حكم جواتيمالا لمدة عشرين سنة كما أنها تفضح الممارسات القمعية للنظم الديكتاتورية الحاكمة في العالم الثالث.


ويتناسب وقت صدور هذه الترجمة مع الربيع العربي وثوراته على ديكتاتورية شبيهة بتلك التي رسمها استورياس في روايته .

تميز غلاف الرواية بأنه قدم من ملامح لثلاثة رؤساء اتسموا بالديكتاتورية وتمت إزاحتهم بثورات شعوبهم وهم مبارك وبن على والقذافي ، والمثير أنه برغم أن الملامح المختلفة لوجوههم إلا أن الفنان جسدهم في وجه واحد ليشير إلى أن الديكتاتور واحد في النهاية .

يقدم استورياس قصته في قالب سريالي قوامه الأفكار والذكريات وغالبا ما يعتمد على المونولوج الداخلي ذلك الكلام الذي لا يسمع ولا يقال ، و به تعبر الشخصية عن أفكارها المكنونة ، وما هو أقرب للهذيان بلا تقيد بالتنظيم المنطقي ، كما نجد الكلام على لسان شخصياته متقطعا مضطربا أشبه بشريط السينما معتمدا على التتابع العاطفي وليس المنطقي وهو ما يشبه أسلوب التداعي الحر لجيمس جويس في روايته "اوليس".


استورياس لا يقدم تلك التفاصيل التي يمكن أن تقرأها في جريدة أو مذكرات شاهد على أحداث عصر بل هو يقدم الحياة الداخلية لأفراد روايته الخوف واللهاث والقلق و ما لا تصرح به لأقرب الناس إليك وترسم الملامح النفسية والاجتماعية للديكتاتور .


عالم الرئيس


يشرح استورياس في الرواية عالمين : عالم السيد الرئيس حيث كل شئ واضح محدد وصارم كخطوات القدر فهو يأمر بالقتل ويعود ليلتهم إفطاره في وداعة ويصدر قراراته الدموية بنفس الفم الذي يقبل به النساء ويشرب به الخمر ومن حوله يرتع اللصوص والممسوخين لآلات للقتل والفناء والرشوة والقهر والذل .


وهناك على الجانب الآخر عالم الفقراء المشوش كضربات فرشاة من رسام مجنون الشر موجود من أعلى قمة هرم السلطة ونزولا للقاع عند الفقراء الغنى يأكل الفقير والفقير يأكل الفقير حتى الطيور الجيف تلتهم هؤلاء الأحياء لأنها لا تعدهم كذلك وكأنها تمشى وفقا لأوامر السيد الرئيس يجب رفس الجميع وسحقهم "كم هو محزن أن يكون المرء فقيرا"

ويستعرض استورياس في روايته حيوات حفنة من المهمشين تجمعهم رابطة البؤس إنهم فاى ذلك الرمز الحسابي للاشئ للعدم إنهم تلك الجرذان التي ينبئ انتشارها بتفشي الطاعون إنهم يحملون أوجاع المجتمع وأوباءه والمجتمع يلفظهم ويركلهم بالأحذية ويعبر استورياس عن واقعهم هذا من خلال أسمائهم الناموسة, الدمية, الصماء البكماء وغيرها


وعلى الجهة الأخرى هناك عالم السيد الرئيس والمساواة في هذا العالم تكون في مرآه الموت وقيمتك تتحدد بمقدار اختلاف صراعك اليومي عندما تشرق الشمس ما موقعك من الحياة؟ هل تعمل لتكسب خبزك؟ أم أنك من المنتفعين بفوائض صناعة الحظوة من أصدقاء السيد الرئيس وخاصته؟

وفي عالم السيد الرئيس يحمل القديسين إلى الكنيسة ويدفنون بينما يعيش الأوغاد ليعبثوا بمصائر البلاد في عالم السيد الرئيس المقبرة أسعد من المدينة المقبرة أكثر نظافة من المدينة رغم أنها _المدينة _قبر أخر!

وفي عالم السيد الرئيس لا قيمة للعلم أو العلماء "فالعلم والمعرفة لا يمكنهما أن يوفرا لك زوجا حقيرا من الجوارب..! هذه هي الحقيقة" وأي شخص هو مجرد أبله آخر في مواجهة الرئيس الذي يدور كل العالم في فلكه .


وفي عالم السيد الرئيس احذر فأنت لست في مأمن أبدا من خنجر في الظهر قد ينهي كل شئ أو يد غادرة قد تمتد لخنقك .


جريمة قتل


الرواية تقوم حبكتها على جريمة قتل، ولعل القتيل هو الأهم بأن نقترب منه فهو العقيد باراليس سوريانتى الذي قتل في حادث عرضي على يد معتوه ، لكن هذا الحادث هز عالم السيد الرئيس فمن يجرؤ على قتل ذراع الرئيس الذي يبطش ويذل العباد ؟


يقول الديكتاتور ، الذي يعلم مدى كراهة الناس له، وأصيب بهزة قوية لمقتل رجله أنه لا يمكن لرجل معتوه أن يقتل هذا العقيد الذي يمكنه إصابة ذبابة على بعد مائة متر بطلقة من مسدسه ، لا يمكن أن يموت كدجاجة كسر عنقها ، لابد وأن يموت نتاج مؤامرة وتخطيط وإن لم تتم هذه المؤامرة قبل موته فلتتم وترسم خيوطها بعد موته ولتستغل كذلك في الإطاحة برجلين لا يرضى عنهم الرئيس .


ويقدم الرئيس أشخاص للمحاكمة ليسوا بالضرورة هم الجناة ، وهم الذين لا تستمع المحكمة لأقوالهم، إذ المهم ليس ما يقوله المتهمون وإنما ما يود الرئيس قوله، والحادث العادي أراده الرئيس أن يتضخم ليصبح تمرد وعصيان وخيانة عظمى وتكون المحاكمة نصف طقوس ونصف تهريج لان الحكم قد صدر بالفعل ، وحينما تحاول أن تدافع عن نفسك فلن يسمعك أحد ، هنا فقط "الكلمات تتحلل في فمك كالخبز المبلل" .


ويجعل استورياس من الرئيس صورة أقرب لصورة الإله النيتشاوي الذي ينبغي السجود له امتنانا لأنه موجود ، وعبارات الحرية ،العدالة ،المساواة، الديمقراطية ، تفسر في عالمه وفقا لقاموسه الخاص فالحكومة رشيدة لأنه يراها كذلك والمواطنين أحرار لأنه يراهم كذلك لذا فعلى الشعب إعادة انتخابه فهو عظيم العظماء وليبرالي وديموقراطى ولن يجرؤ احد أن يقف أمامه إلا الخائن والعميل .


وأخيرا في عالم السيد الرئيس أنت لا تملك القدرة على الحلم فحتى لو امتلكت جناحين فلن تستطيع استعمالهما للتحليق فممنوع أن تعطي أمل وأنت لا تحافظ على وضعك أو وظيفتك إلا بالتنفيذ الحرفي للأوامر أيا كانت وبرغم الألم يخضع الشعب لان الخوف اقوي من الألم.


وتنتهي الرواية إلى أن الثورة على هكذا ديكتاتور مستحيلة وان كان الواقع الذي نعيشه الآن يؤكد عكس ذلك.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.