20 أكتوبر 2011

قراءات: كتاب In Ishmael's House


أنهيتُ مؤخرًا قراءة كتاب "في بيت إسماعيل: تاريخ اليهود في البلاد الإسلامية In Ishmael’s House: A History of Jews in Muslim Lands" لمؤلفه البريطاني السير (مارتن جلبرت Martin Gilbert). الكتاب صادر عن مطبعة جامعة ييل عام 2010 في 424 صفحة من القطع الكبير.المؤلف له أكثر من ثمانين كتابًا أغلبها عن اليهود والمحرقة اليهودية، إلا أن أشهر كتبه على الإطلاق هو سيرة رئيس الوزراء البريطاني ونستن تشرتشل المكوّنة من ستة أجزاء، حيث يُعتبر المؤلف هو المؤرخ الرسمي لتشرتشل. وتقديرا لهذا الجهد الكبيرفي سيرة تشرتشل وغيرها من الكتب التاريخية مُنح المؤلف لقب "سير" عام 1995.

أما الكتاب الذي نحن بصدده فيتألف من 22 فصلا يتحدث فيها المؤلف عن أوضاع اليهود في البلاد الإسلامية منذ ما قبل ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا. ليس هناك شك في أنّ موضوع الكتاب وفكرته في غاية الروعة والتميز، وموضوع كهذا لا بد أن يضيف الكثير للباحثين والسياسيين حتى يكوّنوا فهمًا أفضل لتطوّر العلاقات بين العرب واليهود على مدى التاريخ. ومن الواضح أن المؤلف قد بذل جهدًا في قراءة الكثير من المراجع، وعقد لقاءات واتصالات مع عديد من اليهود الذين كانوا يسكنون البلاد الإسلامية قبل خروجهم منها.

ولكن، وأقولها بأسف، أنّ الكتاب جاء مخيبًا لكثير من آمالي الشخصية، وخائبًا فيما يتعلق بالكتابة الأكاديمية والتاريخية خاصة في الفصول التي تتحدث عن فترة ما قبل الإسلام وحتى قيام إسرائيل؛ فالمؤلف في حقيقة الأمر لم يفعل شيئا سوى التجميع من المصادر المختلفة، ولم يقدّم أي تفسير أو تحليل أو إضافة عليها بصمته الشخصية. يتحدث عن حالات من الاضطهاد عانى منها اليهود أو حالات من التسامح والانسجام والازدهار في بلد أو آخر، لكنه لا يبذل أي جهدٍ عقلي أو بحثي لتقديم سياقٍ تاريخي أو اجتماعي يفسّر الأسباب (باستثناء مرحلة بُعيد ظهور الإسلام، وما بعد قيام إسرائيل). كلّ ما يريده منك المؤلف هو أن "تشرب" المعلومات التي يقدّمها لك، أي أن تعرف ما حصل (من وجهة نظره) ولكن لا سبيل لكي تفهم أي شيء. استغربتُ كثيرًا من هذا المؤلف الذي يذكر عهدًا من الاضطهاد والتمييز ضد اليهود في دولةٍ إسلامية، وبعد فصل أو اثنين يتحدث عن عهدٍ من الازدهار والرخاء والتسامح في الدولة نفسها، دون طرح السياقين والمقارنة بينهما كي نعرف لماذا حدث ما حدث. التفسير (الجاهز) الوحيد الذي يقدمّه المؤلف هو تغيّر الحاكم. أتفق مع المؤلف في أنّ الحاكم ومزاجه ومدى تسامحه أو تعصبّه له دور كبير في أحداث كهذه، ولكن هذا التفسير وحده لا يكفي، كما أن هذا التفسير لا يقول لنا لماذا هذا الحاكم متعصب أو متسامح.

ومما يُفقد هذا الكتاب مصداقيته من وجهة نظري هو التحيّز الواضح لجانب واحد (اليهود). كل المصادر أو غالبيتها العظمى لكتّاب يهود/صهاينة، وكل المقابلات والمراسلات كانت مع يهود. كان من الواجب على المؤلف أن يسعى لطرح الرؤية الأخرى أيضًا ويترك للقارئ الحكم. وسيلاحظ القارئ أن المؤلف يعتمد كثيرًا جدًا في معلوماته وإحالاته (خاصة في الفصول قبل قيام إسرائيل) على "الموسوعة اليهودية". هذا وهناك مواضع ذكر فيها المؤلف ألفاظًا أو جملا لا يُمكن أن تُقبل في بحث تاريخي أكاديمي، حيث يُفترض أن تكون اللغة محايدة ولا تشتمل على إطلاق أحكام. خلاصة..كتاب لا أنصح به. هذا وهناك أحداث ومعلومات كثيرة (خاصة في الفصول قبل قيام إسرائيل) يذكرها المؤلف دون الالتزام بإثبات المصدر.

وللأمانة فقد استفدتُ من أحد الفصول في نهاية الكتاب، حيث عرّفني على أمر لم أكن أعرفه، وهو استمرار المطالبات الإسرائيلية على مستويات دولية عالية بتعويض "اللاجئين" اليهود الذين طُردوا من البلاد الإسلامية بعد قيام إسرائيل. ووفقا للمؤلف فإن هناك اهتمام متزايد بهذه القضية دوليا، ودعوة لمطالبة البلاد العربية/الإسلامية بتعويض اليهود الذين سُلبت أموالهم وممتلكاتهم بعد طردهم.

قد يبدو أنني متحامل جدًا على المؤلف، وربما لا أستطيع أن أخفي تحيّزي أنا الآخر. لكن، لستُ وحدي من ينتقد هذا الكتاب والمؤلف. مثلا، يقول روبرت إرون في صحيفة الإندبندنت البريطانية أن استخدام المؤلف للمصادر في بعض الأحيان يدعو للشك، ويذكر بعض المصادر السيئة التي استخدمها المؤلف وثُبت تزييفها للحقائق. وقد نشر موقع معهد "Institute for Historical Review" مقالا لروبرت فوريسون بعنوان "كيف يزيّف المؤرخ جلبرت ويخترع"، بينما قال البروفيسور اليهودي البريطاني- العراقي الأصل- (آفي شلايم) بأن المؤلف "مؤرخ حكّاء، وليس مؤرخا تحليليا"، وبأن المادة التي استخدمها مُنتقاة (على هوى المؤلف) ومتركزة بشكل ضيق جدًا على اليهود، وتفتقر إلى سياق سياسي واجتماعي واقتصادي أوسع حتى يتمكن القارئ من وضع المجمع اليهودي في أي دولة إسلامية في إطاره التاريخي الصحيح.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.