10 نوفمبر 2011

قراءات: "سيكولوجية الجماهير" لغوستاف لو بون


فرغتُ قبل قليل من قراءة كتاب "سيكولوجية الجماهير" لغوستاف لو بون بترجمة هاشم صالح، والكتاب الأصلي كان قد صدر أولا عام 1895، وأصدرت دار الساقي ترجمته للمرة الأولى عام 1991، وأصدرت هذا العام 2011 طبعته الثالثة.

لعلّ أول سؤال يتبادر إلى ذهنك أثناء قراءة الكتاب أو بعدها هو: لماذا تصدر دار الساقي طبعة جديدة من هذا الكتاب الآن؟ أولا، هل لذلك علاقة بالثورات العربية؟ إن كانت هناك علاقة فلن يتلقى أحدٌ من المتعاطفين مع الثورات هذا الكتاب قبولا حسنًا. ثانيا، لماذا يصدر هذا الكتاب الآن وقد تبيّن أن كثيرًا مما فيه إما تبيّنت منافاته للعلمية والموضوعية، وإما كلام قديم أصبح يُقال يوميًا في الصحف؟ أتفهّم أن يدرس طلاب علم النفس الاجتماعي هذا الكتاب أو خلاصة له كتأريخ لهذا الحقل الذي وضع غوستاف لو بون أساسه، ولكن تُرى ما حجم الفائدة التي ستعود على القارئ المعاصر منه؟ وكي لا أقسو كثيرًا على الكتاب، أعترف أن القارئ سيجد بعض المتعة في أجزاءٍ منه وقد يتفق مع ما يقوله المؤلف حتى لو رفض الاعتراف بذلك علنا.

خلاصة الكتاب: الجمهور السيكولوجي "النفسي" هو جمهور منظّم له روح جماعية وخصائص محددة، وفيه تذوب الشخصية الفردية الواعية لصالح الروح الجماعية، ليتشكل تركيب جديد لا يعتبر حاصل مجموع أو متوسط السمات الفردية لكل شخص. فالفرد عندما ينضوي في جماعة يشعر بالقوة فينصاع لغرائزه عن طوع واختيار ، لأنّ الجمهور لا تردعه المسؤولية كما تردع الفرد، وهو في الجماعة معرّض للعدوى من اي فعل أو عاطفة تتضخم لديه بسهولة فتجده يقوم بما لا يميل إلى فعله منفردا، فهو كالمنوّم مغناطيسيا يفقد شخصيته الواعية. هذا الجمهور في مجموعه يتسم بالنزق، والبدائية، والتبسيطية، والقابلية للتحريض، والسذاجة، والتطرف في العواطف، والافتقار إلى ملكة النقد، والتعصّب. وقد تكون نتيجة ذلك أفعال إجرامية، أو افعال بطولية، بحسب المحرّض. والجمهور لا يفهم المحاجّة العقلانية، بل يفهم الآراء المبسّطة عن طريق الكلمات والشعارات التي تبثّ صورًا في مخيلته ليس بالضرورة أن تكون مترابطة عقليا. ومن يريد التأثير في الجماهير وتحريكها عليه أن يتقن فنّ استخدام الكلمات والشعارات، وأن يتجنب المحاجة العقلانية، وأن تكون له كاريزما تقوّي آراءه، وأن يعمد إلى استخدام التوكيد والتكرار بكثرة كيما تنتشر آراؤه في الجماهير بفعل العدوى.

بالطبع هذا تبسيط واختصار شديد، لكنه يحمل الفكرة العامة التي يسوقها الكتاب. لا أستغرب كثيرًا أنّ الكتاب لم يلقَ الكثير من الاحتفاء أكاديميًا خاصة في عصره، فالأسلوب الذي يدلل به المؤلف على أفكاره لا يتسم بأية صرامة أكاديمية، حيث يُلقي بالكثير من الآراء الشخصية الذاتية دون سند موضوعي، وينزلق في تعميمات كثيرة متسرعة. هذا وسيجد القارئ صعوبة في تقبّل فكرته المرتكزة على التفريق بين الجماهير على أساس العرق، رغم أن العرق الذي يقصده متعلق بالتاريخ والحضارة والثقافة لا لون البشرة والعرق بمعناه الحرفي. من جهةٍ أخرى لا بد من الاعتراف بأنّ هناك العديد من الآراء التي قالها المؤلف تتطابق إلى حدّ كبير مع الواقع، رغم امتعاضنا من فجاجة الرأي. ليس غريبًا إذن أن تبنّت النازية والفاشية في أوروبا آراء لوبون وطبّقتها في ممارساتها الدعائية والتحريضية وغسيل المخ، وهذا ما أساء إلى سمعة لوبون كما يقول هاشم صالح في مقدمته. صحيح أنّ المؤلف له نظرة فوقية متعالية على الجماهير، وصحيح أنّ آراءه تشوبها بعض العنصرية-ربما لا واعية- إلا أنّ الكتاب لا بدّ أن يُقرأ في سياقه التاريخي.

هل أنصح بقراءته؟ إلى حدٍ ما، ولكن أعتقد بأن القارئ يكفيه "الكتابان" الأول والثاني، مع ضرورة قراءة مقدّمة المترجم.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.