14 يناير 2012

مقالات: الكتاب والقراءة عند السلف (حسين الراوي)




(المصدر: جريدة الراي الكويتية، 13 يناير 2012)

الكِتاب والقراءة عند السلف
حسين الراوي

هذه صور جميلة لأحوال السلف الصالح مع الكِتاب والقراءة، أنقلها لكم لعلها تشجعكم على حُب القراءة والقرب من الكِتاب.

قال المأمون: «لا شيء آثر للنفس، ولا اشرح للصدر ولا أوفر للعرض، ولا أزكى للقلب، ولا أبسط للسان، ولا اشد للجنان، ولا أكثر وفاقا ولا أقل خلافا، ولا ابلغ إشارة ولا أكثر عبارة من كتاب تكثر فائدته، وتقل مؤونته، وتسقط غائلته وتحمد عاقبته، وهو محدث لا يمل».

قال الحسن بن سهل: كان المأمون ينام والدفاتر حول فراشه، ينظر فيها متى انتبه من نومه وقبل أن ينام. وكان يوصي ويقول: «استعن على وحشة الغربة بقراءة الكتب، فإنها ألسن ناطقة وعيون رامقة».

قال بعض العلماء: الكتاب تؤدبك عجائبه وتسرك طرائفه، وتضحكك ملحه ونوادره، وهو نزهة الأديب عند لذته، ومتعته عند خلوته، وتحفته عند نشاطه، وانسه عند انبساطه، ومستراحه من همه، ومسلاته من غمه، وعوضه من جليس السوء وسخف الأماني، ومستقبح الشهوات، وهو روضة مجلسه، وبستان يده، وأنيس يتقلب معه.

يقول ابن عبد البر: وقد كان عبد حفيد عمر بن عبد العزيز لا يجالس الناس، ونزل المقبرة فكان لا يكاد يرى إلا في يده دفتر فسئل عن ذلك، فقال: لم أر قط أوعظ من قبر ولا أمتع من دفتر ولا أسلم من وحدة.

وقال أبو عمرو بن العلاء: «ما دخلت على رجل قط ولا مررت ببابه فرأيته ينظر في دفتر وجليسه فارغ إلا حكمت عليه واعتقدت انه أفضل منه عقلا».
وروى عن الحسن اللؤلؤي انه قال: «لقد غبرت لي أربعون عاما ما قمت ولا نمت إلا والكتاب على صدري».

وقال شفيق بن إبراهيم البلخي: قلنا لابن مبارك: إذا صليت معنا لما لا تجلس معنا؟ قال: اذهب فاجلس مع التابعين والصحابة. قلنا فأين التابعون والصحابة؟! قال: اذهب فانظر في كُتبي فأدرك آثارهم وأعمالهم. ما اصنع معكم؟ انتم تجلسون تغتابون الناس!
واشترى الفيروز آبادي بخمسين ألف مثقال ذهبا كتبا وكان لا يسافر إلا ومعه أحمال منها ينظر فيها كلما نزل في سفره.

وكان الزهري - رحمه الله - قد جمع من الكتب شيئا عظيما وكان يلازمها ملازمة شديدة حتى ان زوجته قالت له: «والله ان هذه الكتب اشد علي من ثلاث ضرائر».

وقيل لبعضهم: من يؤنسك؟ فضرب بيده الى كتبه وقال: هذه. فقيل: من الناس؟ فقال: الذين فيها.

وكانوا رحمهم الله - يقرؤون في جميع أحوالهم يقول ابن القيم: «واعرف من أصابه مرض من صداع وحمى وكان الكتاب عند رأسه فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، وإذا غلب وضعه فدخل عليه الطبيب يوما وهو كذلك فقال: إن هذا لا يحل لك».

قال أبو العباس المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ وكان معتزليا من اهل البدعة والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسحاق القاضي.

فأما الجاحظ فانه كان إذا وقع في يده كتاب قرأه من أوله إلى آخره، أي كتاب كان. وأما الفتح فكان يحمل الكتاب في خفه فإذا قام من بين يدي المتوكل ليبول أو ليصلي اخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريد ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه.

وأما إسماعيل بن إسحاق فإني ما دخلت عليه قط إلا وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب أو طلب كتابا ينظر فيه
.
ولقد كان حرص السلف وعلماء المسلمين على جمع الكتب والنظر فيها عظيما، وقال ابن الجوزي - رحمه الله: «واني اخبر عن حالي ما اشبع من طالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز، ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وانأ بعد في الطلب».
وقال بعضهم: «اذا استحسنت الكتاب واستجدته ورجوت منه الفائدة ورأيت ذلك فيه فلو تراني وانأ ساعة انظر كم بقي من ورقة مخافة استنفاده».

وكانوا ينفقون في تحصيل الكتب الأموال الكثيرة وربما انفق بعضهم كل ما يملك في ذلك، وقال بعضهم لما عاتبته زوجته في كثرة ما ينفق على الكتب:
يمينك من مال فقلت دعيني * وقائلة أنفقت في الكتب ما حَوَت
لأخذ كتابي آمنا بيميني * لعلي ارى فيها كتابا يدلني

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.