19 يناير 2013

قراءات: حنا مينه يكتب الجسد بين اللذة والألم

(المصدر: جريدة البيان – ملحق مسارات)
 يسجل كتاب" الجسد بين اللذة والألم"، لمؤلفه حنا مينا، مجموعة رؤى وتوجهات هذا الروائي السوري، التي قدمها في باقة متنوعة من الدراسات والمقالات التي نشرها في مجلات وصحف عديدة.
 ويطالعنا مينا في كتابه، بجملة تقديمية مشوقة، إذ يحكي أن والده قال له يوما: يا حنا! الدهر دولاب، لا عمَّك ولا خالك!". 
وينتقل ليسجل لنا آخر ما قالته له امرأة القبو التي تصول وتجول في روايته "الشمس في يوم غائم"، ذلك حين جاء يودعها ليغوص في بحر الظلمات: " اسمع يا صديقي، الرجل لا تذله إلا شهوته، فلا تدع شهوتك تذلك!".
إنَّ كلية الآداب لا تخرِّج أدباء، وإلاَّ لامتلأت دنيانا بأكلَةِ الهواء هؤلاء.. هكذا يقول حنا مينا، ولكن على لسان لورانس شعلول، التي هي كما يصفها، مثقَّفة ثقافة جورج صاند، في فصله عن الجسد بين اللذة والألم.
 ويدرج ما تضيفها هنا: ولكنَّني كخرِّيجة هذه الكلية أرغب في إثبات جدارتي الأدبية وسعة إطلاعي على ما أرى وأسمع.
 ومن هذا الذي سمعته أنَّ الراقصة المشهورة فيفي عبده كانت في النباهة أوفر حظاً من الروائي نجيب محفوظ، قبل فوزه بجائزة نوبل أو بعدها لا أدري، فأوقفت سيارتها الفارهة قصاده وهو يمشي على كورنيش النيل العظيم، وقالت له لا فضَّ فوها: (انظر يا أستاذ نجيب ماذا صنع بك الأدب، وما صنع بي سوء الأدب -أو قلَّة الأدب- إذا أردنا الدقَّة في نقل المأثور من الكلام).
 غير أنني، أنا لورانس شعلول مولَّعة، منذ ما قبل البلوغ بقلَّة الأدب هذه، وكونها هوايتي المفضلة، ومصدر ثروتي المتنامية ومثار رغباتي الجنسية الآثمة، فالإثم هنا هو الإثم.. وداء الجنس دائي، ورثته عن أبوي في الغرفة الوحيدة الفقيرة، التي كانت تنام فيها العائلة كلها، أنا الطفلة لصق خاصرة أمي".
وأنا أيضاً- يقول حنا مينا- عن تجربته، عندما كان يعمل في كار الحلاقة: "كنتُ في الحالمين، وكان حلمي أن أغيِّر العالم بالكلمة لا بالمقص، باعتباري آنذاك كنت حلاقاً على باب ثكنة زبائني من الجنود الفقراء الذين يتناسب فقرهم مع فقر دكان الحلاقة، رغم أنني في نزوة الشباب المبكِّر، سمَّيت هذا الدكان (صالون الزهور).
وفي هذا الصالون العاري إلا من مرآة وكرسي الحلاقة البدائيين، كتبت أوَّل عمل أدبي على شكل مسرحية أنا بطلها. وهذا البطل( الثوري الفظيع)، يغيِّر العالم في ستة أيام ويستريح في اليوم السابع!. لكنني بعد أن يئست من العمل في الحلاقة (كأجير") في بيروت، بعد أن تركت اللاذقية. انتقلت إلى دمشق للغاية نفسها، إلا أنَّ الحظ لم يبتسم لي في الشام، وكان هذا من حظي لأنَّ الصديق العزيز نديم عدي، الذي استضافني في بيته مشكوراً، قال لي، وكان من الحزب الوطني:( اسمع يا صديقي حنا لنترك الحلاقة ولعنتها ونبحث عن عمل آخر أفضل لكنه أصعب! ما رأيك أن تشتغل بالصحافة؟ نعم بالصحافة. ولماذا الاستغراب، أنت تكتب جيداً منذ كنت حلاقاً في حارة القلعة في اللاذقية، وأنا قرأت لك وأعرفك جيداً بسبب القربى التي بيننا! هكذا! من أجير مرفوض في الحلاقة إلى محرِّر مقبول في الصحافة؟ هذه نكتة!".
 وعن كتابته للرواية يقول حنا مينا:" أما أنا فقد حرصت في معظم رواياتي أن ألتقط أحداثها من المناطق المجهولة في أدبنا العربي قديمه وحديثه، كالبحر، الغابة، المعركة الحربية، الإنسان والموت.. وما التقطته كحدث كان نطفة تخصَّبت ونمت وكبرت وأوفت من خلال السياق.
 وبتعبير آخر، إنَّ هذه النطفة هي عالم فكَّكته وأعدت تركيبه، ولم أتناول هذا العالم جاهزاً، كما لم أتناول أية شخصية جاهزة في أعمالي، ففي هذه الحال ينتفي الابتكار، الاختراع، وينتفي الخيال والتخييل، وتصبح الشخصية الروائية أو القصصية في هذه الحال شخصية فوتوغرافية، صورة جامدة باهتة لا خلقَ فيها أو حياة أو فرادة... ".

المؤلف في سطور:
 حنا مينا، روائي سوري. ولد في اللاذقية عام 1924 لعائلة فقيرة، وعاش طفولته في حي (المستنقع) في إحدى قرى لواء اسكندرون. احترف العمل بداية في الميناء كحمّال، ثم احترف البحر كبحّار على المراكب. واشتغل في مهن كثيرة، من أجير مصلّح دراجات، إلى مربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية، إلى حلاّق، إلى صحافي، وإلى كاتب مسلسلات إذاعية باللغة العامية، وموظف في الحكومة، ثم روائي. ومن رواياته: الشراع والعاصفة، نهاية رجل شجاع. 
الكتاب: الجسد بين اللذَّة والألم/ مقالات
 تأليف: حنا مينا
الناشر: وزارة الثقافة السورية دمشق 2012
 الصفحات:472 صفحة 
 القطع: الكبير
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.